فصل: بَابُ غُسْلِ الْمَيِّتِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ حَمْلِ الْجِنَازَةِ:

السُّنَّةُ فِي حَمْلِ الْجِنَازَةِ أَنْ يَحْمِلَهَا أَرْبَعَةُ نَفَرٍ مِنْ جَوَانِبِهَا الْأَرْبَعِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: السُّنَّةُ حَمْلُهَا بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ وَهُوَ أَنْ يَحْمِلَهَا رَجُلَانِ يَتَقَدَّمُ أَحَدُهُمَا فَيَضَعُ جَانِبَيْ الْجِنَازَةِ عَلَى كَتِفَيْهِ وَيَتَأَخَّرُ الْآخَرُ فَيَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ حَمَلَ جِنَازَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ بَيْنَ عَمُودَيْنِ» (وَحُجَّتُنَا) حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تُحْمَلَ الْجِنَازَةُ مِنْ جَوَانِبِهَا الْأَرْبَعِ» وَلِأَنَّ عَمَلَ النَّاسِ اشْتَهَرَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَهُوَ أَيْسَرُ عَلَى الْحَامِلِينَ الْمُتَدَاوِلِينَ بَيْنَهُمْ وَأَبْعَدُ عَنْ تَشْبِيهِ حَمْلِ الْجِنَازَةِ بِحَمْلِ الْأَثْقَالِ وَقَدْ أُمِرْنَا بِذَلِكَ وَلِهَذَا كُرِهَ حَمْلُهَا عَلَى الظَّهْرِ أَوْ عَلَى الدَّابَّةِ.
وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لِضِيقِ الطَّرِيقِ أَوْ لِعَوَزٍ بِالْحَامِلِينَ وَمَنْ أَرَادَ كَمَالَ السُّنَّةِ فِي حَمْلِ الْجِنَازَةِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحْمِلَهَا مِنْ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعِ يَبْدَأُ بِالْأَيْمَنِ الْمُقَدِّمِ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَالْمُقَدِّمُ أَوَّلُ الْجِنَازَةِ وَالْبُدَاءَةُ بِالشَّيْءِ مِنْ أَوَّلِهِ ثُمَّ بِالْأَيْمَنِ الْمُؤَخِّرِ ثُمَّ بِالْأَيْسَرِ الْمُقَدِّمِ ثُمَّ بِالْأَيْسَرِ الْمُؤَخِّرِ لِأَنَّهُ لَوْ تَحَوَّلَ مِنْ الْأَيْمَنِ الْمُقَدِّمِ إلَى الْأَيْسَرِ الْمُقَدِّمِ احْتَاجَ إلَى الْمَشْيِ أَمَامَهَا وَالْمَشْيُ خَلْفَهَا أَفْضَلُ فَلِهَذَا يَتَحَوَّلُ مِنْ الْأَيْمَنِ الْمُقَدِّمِ إلَى الْأَيْمَنِ الْمُؤَخِّرِ وَالْأَيْمَنُ الْمُقَدِّمُ جَانِبُ السَّرِيرِ الْأَيْسَرِ فَذَلِكَ يَمِينُ الْمَيِّتِ وَيَمِينُ الْحَامِلِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْمِلَ مِنْ كُلِّ جَانِبِ عَشْرَ خُطُوَاتٍ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ مَنْ حَمَلَ جِنَازَةً أَرْبَعِينَ خُطْوَةً كُفِّرَتْ لَهُ أَرْبَعُونَ كَبِيرَةً (قَالَ): وَلَيْسَ فِي الْمَشْيِ بِالْجِنَازَةِ شَيْءٌ مُؤَقَّتٌ غَيْرَ أَنَّ الْعَجَلَةَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْإِبْطَاءِ بِهَا لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْمَشْيِ بِالْجِنَازَةِ فَقَالَ: مَا دُونَ الْخَبَبِ فَإِنْ يَكُنْ خَيْرًا عَجَّلْتُمُوهُ إلَيْهِ وَإِنْ يَكُنْ شَرًّا وَضَعْتُمُوهُ عَنْ رِقَابِكُمْ أَوْ قَالَ: فَبُعْدًا لِأَهْلِ النَّارِ»
(قَالَ) وَلَا بَأْسَ بِالْمَشْيِ قُدَّامَهَا وَالْمَشْيُ خَلْفَهَا أَفْضَلُ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْمَشْيُ أَمَامَهَا أَفْضَلُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَا يَمْشِيَانِ أَمَامَ الْجِنَازَةِ وَإِنَّ النَّاسَ شُفَعَاءُ الْمَيِّتِ وَالشَّفِيعُ يَتَقَدَّمُ فِي الْعَادَةِ عَلَى مَنْ يَشْفَعُ لَهُ.
(وَلَنَا) حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي خَلْفَ جِنَازَةِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ» وَأَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَمْشِي خَلْفَ الْجِنَازَةِ فَقِيلَ لَهُ: إنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانَا يَمْشِيَانِ أَمَامَ الْجِنَازَةِ فَقَالَ: يَرْحَمُهُمَا اللَّهُ قَدْ عَرَفَا أَنَّ الْمَشْيَ خَلْفَهَا أَفْضَلُ وَلَكِنَّهُمَا أَرَادَا أَنْ يُيَسِّرَا الْأَمْرَ عَلَى النَّاسِ مَعْنَاهُ أَنَّ النَّاسَ يَتَحَرَّزُونَ عَنْ الْمَشْيِ أَمَامَهَا فَلَوْ اخْتَارَ الْمَشْيَ خَلْفَهَا لَضَاقَ الطَّرِيقُ عَلَى مَنْ يُشَيِّعُهَا.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: فَضْلُ الْمَشْيِ خَلْفَ الْجِنَازَةِ عَلَى الْمَشْيِ أَمَامَهَا كَفَضْلِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَى النَّافِلَةِ وَلِأَنَّ الْمَشْيَ خَلْفَهَا أَوْعَظُ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إلَيْهَا وَيَتَفَكَّرُ فِي حَالِ نَفْسِهِ فَيَتَّعِظُ بِهِ وَرُبَّمَا يُحْتَاجُ إلَى التَّعَاوُنِ فِي حَمْلِهَا فَإِذَا كَانُوا خَلْفَهَا تَمَكَّنُوا مِنْ التَّعَاوُنِ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَذَلِكَ أَفْضَلُ وَالشَّفِيعُ إنَّمَا يَتَقَدَّمُ مَنْ يَشْفَعُ لَهُ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ تَعْجِيلِ مَنْ تُطْلَبْ مِنْهُ الشَّفَاعَةُ بِعُقُوبَةِ مَنْ يَشْفَعُ لَهُ حَتَّى يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ إذَا عَجَّلَ بِهِ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ هَهُنَا (قَالَ) وَإِذَا وُضِعَتْ الْجِنَازَةُ عَلَى الْأَرْضِ عِنْدَ الْقَبْرِ فَلَا بَأْسَ بِالْجُلُوسِ بِهِ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ حِينَ كَانُوا قِيَامًا مَعَهُ عَلَى رَأْسِ قَبْرٍ فَقَالَ يَهُودِيٌّ: هَكَذَا نَصْنَعُ بِمَوْتَانَا فَجَلَسَ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: خَالِفُوهُمْ» وَإِنَّمَا يُكْرَهُ الْجُلُوسُ قَبْلَ أَنْ تُوضَعَ عَنْ مَنَاكِبِ الرِّجَالِ فَرُبَّمَا يَحْتَاجُونَ إلَى التَّعَاوُنِ قَبْلَ الْوَضْعِ وَإِذَا كَانُوا قِيَامًا أَمْكَنَ التَّعَاوُنُ وَبَعْدَ الْوَضْعِ قَدْ وَقَعَ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ ذَلِكَ وَلِأَنَّهُمْ إنَّمَا حَضَرُوا إكْرَامًا لَهُ فَالْجُلُوسُ قَبْلَ أَنْ يُوضَعَ عَنْ الْمَنَاكِبِ يُشْبِهُ الِازْدِرَاءَ وَالِاسْتِخْفَافَ بِهِ وَبَعْدَ الْوَضْعِ لَا يُؤَدِّي إلَى ذَلِكَ (قَالَ): وَحَمْلُ الرِّجَالِ جِنَازَةَ الصَّبِيِّ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ حَمْلِهَا عَلَى الدَّابَّةِ لِأَنَّ فِي حَمْلِهَا عَلَى الدَّابَّةِ تَشْبِيهًا لَهَا بِحَمْلِ الْأَثْقَالِ وَفِي حَمْلِهَا عَلَى الْأَيْدِي إكْرَامٌ لِلْمَيِّتِ وَالصِّغَارُ مِنْ بَنِي آدَمَ مُكَرَّمُونَ كَالْكِبَارِ (قَالَ): وَمَنْ وُلِدَ مَيِّتًا لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَفِي غُسْلِهِ اخْتِلَافٌ فِي الرِّوَايَاتِ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُسَمَّى وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُسَمَّى وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَوَجْهُ هَذَا أَنَّ الْمُنْفَصِلَ مَيِّتًا فِي حُكْمِ الْجُزْءِ حَتَّى لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ لَا يُغَسَّلُ وَوَجْهُ مَا اخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الْمَوْلُودَ مَيِّتًا نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ وَمِنْ النُّفُوسِ مَنْ يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلِّي عَلَيْهِ وَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْجُزْءِ مِنْ وَجْهٍ وَفِي حُكْمِ النَّفْسِ مِنْ وَجْهٍ فَلِاعْتِبَارِ الشَّبَهَيْنِ قُلْنَا يُغَسَّلُ اعْتِبَارًا بِالنُّفُوسِ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ اعْتِبَارًا بِالْأَجْزَاءِ.
وَإِنْ وُلِدَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ صُنِعَ بِهِ مَا يُصْنَعُ بِالْمَوْتَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ حِينَ انْفَصَلَ حَيًّا (قَالَ): وَإِذَا قُتِلَ الرَّجُلُ شَهِيدًا وَهُوَ جُنُبٌ غُسِّلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَمْ يُغَسَّلْ عِنْدَهُمَا قَالَا: صِفَةُ الشَّهَادَةِ تَتَحَقَّقُ مَعَ الْجَنَابَةِ وَهِيَ مَانِعَةٌ مِنْ غُسْلِهِ لِإِبْقَاءِ أَثَرِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ وَحَنْظَلَةُ بْنُ عَامِرٍ إنَّمَا غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ إكْرَامًا لَهُ وَلَوْ كَانَ الْغُسْلُ وَاجِبًا عَلَى بَنِي آدَمَ لَمْ يَكْتَفِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغُسْلِ الْمَلَائِكَةِ إيَّاهُ وَحَيْثُ اكْتَفَى دَلَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدِيثُ «حَنْظَلَةَ فَإِنَّهُ لَمَّا اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَهُ عَنْ حَالِهِ فَقَالَتْ زَوْجَتُهُ: أَصَابَ مِنِّي فَسَمِعَ الْهَيْعَةَ فَأَعْجَلَهُ ذَلِكَ عَنْ الِاغْتِسَالِ فَاسْتُشْهِدَ وَهُوَ جُنُبٌ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: هُوَ ذَاكَ».
«وَلَمَّا مَاتَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: بَادِرُوا بِغُسْلِ سَعْدٍ لَا تُبَادِرْنَا بِهِ الْمَلَائِكَةُ كَمَا بَادَرُونَا بِغُسْلِ حَنْظَلَةَ» فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حَنْظَلَةَ لَوْ لَمْ تُغَسِّلْهُ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَغَسَّلَهُ وَإِنَّمَا لَمْ يُعِدْ لِأَنَّ الْوَاجِبَ تَأَدَّى بِفِعْلِ «الْمَلَائِكَةِ فَإِنَّهُمْ غَسَّلُوا آدَمَ ثُمَّ قَالُوا: هَذِهِ سُنَّةُ مَوْتَاكُمْ وَلَمْ يُعِدْ أَوْلَادُهُ غُسْلَهُ» ثُمَّ صِفَةُ الشَّهَادَةِ تَمْنَعُ وُجُوبَ الْغُسْلِ بِالْمَوْتِ وَلَا تُسْقِطُ مَا كَانَ وَاجِبًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي ثَوْبِ الشَّهِيدِ نَجَاسَةٌ تُغْسَلُ تِلْكَ النَّجَاسَةُ وَلَا يُغْسَلُ الدَّمُ عَنْهُ فَكَذَلِكَ هَهُنَا فِي حَقِّ الطَّاهِرِ الْغُسْلُ يَجِبُ بِالْمَوْتِ فَصِفَةُ الشَّهَادَةِ تَمْنَعُ مِنْهُ وَفِي حَقِّ الْجُنُبِ الْغُسْلُ كَانَ وَاجِبًا قَبْلَ الْمَوْتِ فَلَا يَسْقُطُ بِصِفَةِ الشَّهَادَةِ وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ إذَا انْقَطَعَ دَمُ الْحَيْضِ ثُمَّ اُسْتُشْهِدَتْ فَإِنْ اُسْتُشْهِدَتْ قَبْلَ انْقِطَاعِ الدَّمِ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: إحْدَاهُمَا أَنَّهَا لَا تُغَسَّلُ لِأَنَّ الِاغْتِسَالَ مَا كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهَا قَبْلَ الِانْقِطَاعِ وَالْأُخْرَى أَنَّهَا تُغَسَّلُ لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ قَدْ حَصَلَ بِالْمَوْتِ وَالدَّمُ السَّائِلُ مُوجِبٌ لِلِاغْتِسَالِ عِنْدَ الِانْقِطَاعِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

.بَابُ غُسْلِ الْمَيِّتِ:

اعْلَمْ بِأَنَّ غُسْلَ الْمَيِّتِ وَاجِبٌ وَهُوَ مِنْ حَقِّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «: لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتَّةُ حُقُوقٍ» وَفِي جُمْلَتِهِ أَنْ يُغَسِّلَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَكِنْ إذَا قَامَ بِهِ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ ثُمَّ ذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: يُجَرَّدُ الْمَيِّتُ إذَا أُرِيدُ غُسْلُهُ لِأَنَّهُ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ كَانَ يَتَجَرَّدُ عَنْ ثِيَابِهِ عِنْدَ الِاغْتِسَالِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ يُجَرَّدُ عَنْ ثِيَابِهِ وَقَدْ كَانَ مَشْهُورًا فِي الصَّحَابَةِ حَتَّى إنَّهُمْ لَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَفْعَلُوهُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُودُوا مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ اغْسِلُوا نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ قَمِيصُهُ فَدَلَّ أَنَّهُ كَانَ مَخْصُوصًا بِذَلِكَ (قَالَ): وَيُوضَعُ عَلَى تَخْتٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّةَ وَضْعِ التَّخْتِ إلَى الْقِبْلَةِ طُولًا أَوْ عَرْضًا وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ اخْتَارَ الْوَضْعَ طُولًا كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ فِي مَرَضِهِ إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ بِالْإِيمَاءِ وَمِنْهُمْ مَنْ اخْتَارَ الْوَضْعَ عَرْضًا كَمَا يُوضَعُ فِي قَبْرِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُوضَعُ كَمَا تَيَسَّرَ فَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَوَاضِعِ وَيُطْرَحُ عَلَى عَوْرَتِهِ خِرْقَةٌ لِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَالْآدَمِيُّ مُحْتَرَمٌ حَيًّا وَمَيِّتًا وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ يُؤَزَّرُ بِإِزَارٍ سَابِغٍ كَمَا يَفْعَلُهُ فِي حَيَاتِهِ إذَا أَرَادَ الِاغْتِسَالَ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَالَ: يَشُقُّ عَلَيْهِمْ غَسْلُ مَا تَحْتَ الْإِزَارِ فَيُكْتَفَى بِسِتْرِ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ بِخِرْقَةٍ ثُمَّ يُوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ وَيَبْدَأُ بِمَيَامِنِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ إذَا أَرَادَ الِاغْتِسَالَ بَدَأَ بِالْوُضُوءِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُمَضْمَضُ وَلَا يُسْتَنْشَقُ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِمْ إخْرَاجُ الْمَاءِ مِنْ فِيهِ فَيَكُونُ سَقْيًا لَا مَضْمَضَةً وَلَوْ كَبُّوهُ عَلَى وَجْهِهِ لِيَخْرُجَ الْمَاءُ مِنْ فِيهِ رُبَّمَا يَسِيلُ مِنْهُ شَيْءٌ وَتُغْسَلُ رِجْلَاهُ عِنْدَ الْوُضُوءِ بِخِلَافِ الِاغْتِسَالِ فِي حَقِّ الْحَيِّ فَإِنَّهُ يُؤَخَّرُ فِيهِ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ لِأَنَّهُمَا فِي مُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ هُنَا ثُمَّ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ بِالْخِطْمِيِّ وَلَا يُسَرَّحُ لِأَنَّ ذَلِكَ يَفْعَلُهُ الْحَيُّ لِلزِّينَةِ وَقَدْ انْقَطَعَ عَنْهُ ذَلِكَ بِالْمَوْتِ وَلَوْ فَعَلَ رُبَّمَا يَتَنَاثَرُ شَعْرُهُ وَالسُّنَّةُ دَفْنُهُ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ وَلِهَذَا لَا تُقَصُّ أَظْفَارُهُ وَلَا شَارِبُهُ وَلَا يُنْتَفُ إبِطُهُ وَلَا تُحْلَقُ عَانَتُهُ وَرَأَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَوْمًا يُسَرِّحُونَ مَيِّتًا فَقَالَتْ: عَلَّامَ تَنُصُّونَ مَيِّتَكُمْ ثُمَّ يُضْجِعُهُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ فَيُغْسَلُ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ حَتَّى يُنَقِّيَهُ لِأَنَّ الْبُدَاءَةَ بِالشِّقِّ الْأَيْمَنِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ فَيَغْسِلُ هَذَا الشِّقَّ حَتَّى يَرَى أَنَّ الْمَاءَ قَدْ خَلَصَ إلَى مَا يَلِي التَّخْتِ وَقَدْ أَمَرَّ قَبْلَ ذَلِكَ بِالْمَاءِ فَأَغْلَى بِالسِّدْرِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سِدْرٌ فَحَرْضٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَالْمَاءُ الْقَرَاحُ ثُمَّ يُضْجِعُهُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَيَغْسِلُهُ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ حَتَّى يُنَقِّيَهُ وَيَرَى أَنَّ الْمَاءَ قَدْ خَلَصَ إلَى مَا يَلِي التَّخْتَ ثُمَّ يُقْعِدُهُ فَيَمْسَحُ بَطْنَهُ مَسْحًا رَفِيقًا حَتَّى إنْ بَقِيَ عِنْدَ الْمَخْرَجِ شَيْءٌ يَسِيلُ مِنْهُ لَكِيلَا تَتَلَوَّثَ أَكْفَانُهُ فَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا فَقَالَ: طِبْت حَيًّا وَمَيِّتًا وَفِي رِوَايَةٍ فَاحَ رِيحُ الْمِسْكِ فِي الْبَيْتِ لَمَا مَسَحَ بَطْنَهُ فَإِنْ سَالَ مِنْهُ شَيْءٌ مَسَحَهُ ثُمَّ أَضْجَعَهُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ فَيَغْسِلُهُ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ حَتَّى يُنَقِّيَهُ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي اغْتِسَالِ الْحَيِّ عَدَدُ الثَّلَاثِ فَكَذَلِكَ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ ثُمَّ يُنَشِّفُهُ فِي ثَوْبٍ كَيْ لَا تَبْتَلَّ أَكْفَانُهُ وَقَدْ أَمَرَّ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَكْفَانِهِ وَسَرِيرِهِ فَأَجْمَرَتْ وِتْرًا وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلنِّسَاءِ اللَّاتِي غَسَّلْنَ ابْنَتَهُ: ابْدَأْنَ بِالْمَيَامِنِ وَاغْسِلْنَهَا وِتْرًا وَأَمَرَ بِإِجْمَارِ أَكْفَانِهَا وِتْرًا».
وَهَذَا لِأَنَّهُ يَلْبَسُ كَفَنَهُ لِلْعَرْضِ عَلَى رَبِّهِ وَفِي حَيَاتِهِ كَانَ إذَا لَبِسَ ثَوْبَهُ لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ تَطَيَّبَ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ يُفْعَلُ بِكَفَنِهِ وَالْوِتْرُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ» ثُمَّ تُبْسَطُ اللِّفَافَةُ وَهِيَ الرِّدَاءُ طُولًا ثُمَّ يُبْسَطُ الْإِزَارُ عَلَيْهَا طُولًا فَإِنْ كَانَ لَهُ قَمِيصٌ أُلْبِسَ إيَّاهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَمْ يَضُرَّهُ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ الْقَمِيصَ فِي الْكَفَنِ سُنَّةٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: لَيْسَ فِي الْكَفَنِ قَمِيصٌ إنَّمَا الْكَفَنُ ثَلَاثُ لَفَائِفَ عِنْدَهُ وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ».
(وَلَنَا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ فِيهَا قَمِيصُهُ» وَلِبَاسُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ مُعْتَبَرٌ بِلِبَاسِهِ فِي حَيَاتِهِ إلَّا أَنَّ فِي حَيَاتِهِ كَانَ يَلْبَسُ السَّرَاوِيلَ حَتَّى إذَا مَشَى لَمْ تَنْكَشِفْ عَوْرَتَهُ وَذَلِكَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْإِزَارُ قَائِمٌ مَقَامَ السَّرَاوِيلِ وَلَكِنْ فِي حَالِ حَيَاتِهِ الْإِزَارُ تَحْتَ الْقَمِيصِ لِيَتَيَسَّرَ الْمَشْيُ عَلَيْهِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ الْإِزَارُ فَوْقَ الْقَمِيصِ مِنْ الْمَنْكِبِ إلَى الْقَدَمِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْمَشْيِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْعِمَامَةَ فِي الْكَفَنِ وَقَدْ كَرِهَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ كَانَ الْكَفَنُ شَفْعًا وَالسُّنَّةُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ وِتْرًا وَاسْتَحْسَنَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا لِحَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّهُ كَانَ يُعَمِّمُ الْمَيِّتَ وَيَجْعَلُ ذَنَبَ الْعِمَامَةِ عَلَى وَجْهِهِ بِخِلَافِ حَالَةِ الْحَيَاةِ فَإِنَّهُ يُرْسِلُ ذَنَبَ الْعِمَامَةِ مِنْ قِبَلِ الْقَفَا لِمَعْنَى الزِّينَةِ وَبِالْمَوْتِ قَدْ انْقَطَعَ عَنْ ذَلِكَ (قَالَ) ثُمَّ يُوضَعُ الْحَنُوطُ فِي لِحْيَتِهِ وَرَأْسِهِ وَيُوضَعُ الْكَافُورُ عَلَى مَسَاجِدِهِ يَعْنِي جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ وَيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَقَدَمَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ يَسْجُدُ بِهَذِهِ الْأَعْضَاءِ فَتُخَصُّ بِزِيَادَةِ الْكَرَامَةِ وَعَنْ زُفَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: يَذُرُّ الْكَافُورُ عَلَى عَيْنَيْهِ وَأَنْفِهِ وَفَمِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ يَتَبَاعَدَ الدُّودُ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَنْثُرُ عَلَيْهِ الْكَافُورَ وَإِنَّمَا تَخْتَصُّ هَذِهِ الْمُخَارِقُ مِنْ بَدَنِهِ بِالْكَافُورِ لِهَذَا (قَالَ): ثُمَّ يَعْطِفُ الْإِزَارَ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ شِقِّهِ الْأَيْسَرِ إنْ كَانَ طَوِيلًا حَتَّى يَعْطِفَ عَلَى رَأْسِهِ وَسَائِرِ جَسَدِهِ فَهُوَ أَوْلَى ثُمَّ يَعْطِفُ مِنْ قِبَلِ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ كَذَلِكَ ثُمَّ يَعْطِفُ اللِّفَافَةَ وَهِيَ الرِّدَاءُ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَيِّتَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ إذَا تَحَزَّمَ بَدَأَ بِعِطْفِ شِقِّهِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ يَعْطِفُ الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَيْسَرِ فَكَذَلِكَ يُفْعَلُ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ (قَالَ): وَإِنْ تَخَوَّفْت أَنْ تَنْتَشِرَ أَكْفَانُهُ عَقَدْته وَلَكِنْ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ يُحَلُّ الْعَقْدُ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ عُقْدَتُهُ قَدْ زَالَ وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ هَلْ تُحْشَى مَخَارِقُهُ وَقَالُوا: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ فِي أَنْفِهِ وَفَمِهِ كَيْ لَا يَسِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ وَقَدْ جَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي دُبُرِهِ أَيْضًا وَاسْتَقْبَحَ ذَلِكَ مَشَايِخُنَا ثُمَّ يُحْمَلُ عَلَى سَرِيرِهِ وَلَا يُتْبَعُ بِنَارٍ إلَى قَبْرِهِ يَعْنِي الْإِجْمَارَ فِي الْقَبْرِ قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: أَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ زَادِهِ مِنْ الدُّنْيَا نَارًا.
وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي جِنَازَةٍ فَرَأَى امْرَأَةً فِي يَدِهَا مِجْمَرٌ فَصَاحَ عَلَيْهَا وَطَرَدَهَا حَتَّى تَوَارَتْ بِالْآكَامِ» فَإِذَا انْتَهَى إلَى قَبْرِهِ فَلَا يَضُرُّهُ وِتْرًا دَخَلَهُ أَوْ شَفْعًا لِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ دَخَلَ قَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّابِعِ أَنَّهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ أَوْ أَبُو رَافِعٍ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَضْعُ الْمَيِّتِ فِي الْقَبْرِ فَإِنَّمَا يَدْخُلُ قَبْرَهُ بِقَدْرِ مَا تَحْصُلُ بِهِ الْكِفَايَةُ الشَّفْعُ وَالْوِتْرُ فِيهِ سَوَاءٌ فَإِذَا وُضِعَ فِي اللَّحْدِ قَالُوا: بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ أَيْ بِسْمِ اللَّهِ وَضَعْنَاك وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ سَلَّمْنَاك وَالسُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنْ يُدْخِلَ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ يَعْنِي تُوضَعُ الْجِنَازَةُ فِي جَانِبِ الْقِبْلَةِ مِنْ الْقَبْرِ وَيُحْمَلُ مِنْهُ الْمَيِّتُ فَيُوضَعُ فِي اللَّحْدِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: السُّنَّةُ أَنْ يَسِلْ إلَى قَبْرِهِ وَصِفَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْجِنَازَةَ تُوضَعُ عَلَى يَمِينِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ يُؤْخَذُ بِرِجْلِهِ فَيُحْمَلُ إلَى الْقَبْرِ فَيُسَلُّ جَسَدُهُ سَلًّا لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُلَّ إلَى قَبْرِهِ» وَلِأَنَّهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ كَانَ إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ دَخَلَ بِرِجْلِهِ وَالْقَبْرُ بَيْتُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيَبْدَأُ بِإِدْخَالِ رِجْلَيْهِ فِيهِ.
(وَلَنَا) مَا رَوَى إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُدْخِلَ قَبْرَهُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ» فَإِنْ صَحَّ هَذَا اتَّضَحَ الْمَذْهَبُ وَإِنْ صَحَّ مَا رَوَوْا فَقِيلَ: إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَعَنْ أَبِيهَا مِنْ قِبَلِ الْحَائِطِ وَكَانَتْ السُّنَّةُ فِي دَفْنِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي قُبِضُوا فِيهِ فَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ وَضْعِ السَّرِيرِ قِبَلَ الْقِبْلَةِ لِأَجْلِ الْحَائِطِ فَلِهَذَا سُلَّ إلَى قَبْرِهِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ: يَدْخُلُ الْمَيِّتَ قَبْرَهُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ لِأَنَّ جَانِبَ الْقِبْلَةِ مُعَظَّمٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُخْتَارَ لِلْجُلُوسِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «: خَيْرُ الْمَجَالِسِ مَا اسْتَقْبَلْتَ بِهِ الْقِبْلَةَ» فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْوَفَاةِ يُخْتَارُ إدْخَالُهُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ (قَالَ): وَيُلْحِدُ لَهُ وَلَا يَشُقُّ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَشُقُّ وَاعْتِمَادُنَا فِيهِ عَلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اللَّحْدُ لَنَا وَالشِّقُّ لِغَيْرِنَا» «وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ حَفَّارَانِ أَحَدُهُمَا يُلْحِدُ وَالْآخَرُ يَشُقُّ فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثُوا فِي طَلَبِ الْحَفَّارِ فَقَالَ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: اللَّهُمَّ خِرْ لِنَبِيِّك فَوُجِدَ الَّذِي يُلْحِدُ» وَصِفَةُ اللَّحْدِ أَنْ يُحْفَرَ الْقَبْرُ ثُمَّ يُحْفَرَ فِي جَانِبِ الْقِبْلَةِ مِنْهُ حَفِيرَةٌ فَيُوضَعُ فِيهِ الْمَيِّتُ وَصِفَةُ الشِّقِّ أَنْ يُحْفَرَ حَفِيرَةٌ فِي وَسْطَ الْقَبْرِ وَيُوضَعُ فِيهِ الْمَيِّتُ وَإِنَّمَا اخْتَارُوا الشَّقَّ فِي دِيَارِنَا لِتَعَذُّرِ اللَّحْدِ فَإِنَّ الْأَرْضَ فِيهَا رَخَاوَةٌ فَإِذَا أُلْحِدَ إنْهَارَ عَلَيْهِ فَلِهَذَا اسْتَعْمَلُوا الشَّقَّ وَيُجْعَلُ عَلَى لَحْدِهِ التِّبْنَ وَالْقَصَبُ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ «وُضِعَ عَلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طُنٌّ مِنْ قَصَبٍ» «وَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُرْجَةً فِي قَبْرٍ فَأَخَذَ مَدَرَةً وَنَاوَلَهَا الْحَفَّارَ وَقَالَ: سُدَّ بِهَا تِلْكَ الْفُرْجَةَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ مِنْ كُلِّ صَانِعٍ أَنْ يُحْكِمَ صَنْعَتَهُ» وَالْمَدَرَةُ قِطْعَةٌ مِنْ اللَّبِنِ فَدَلَّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِ اللَّبِنِ وَيُكْرَهُ الْآجُرُّ لِأَنَّهُ إنَّمَا اُسْتُعْمِلَ فِي الْأَبْنِيَةِ لِلزِّينَةِ أَوْ لِإِحْكَامِ الْبِنَاءِ وَالْقَبْرُ مَوْضِعُ الْبِلَى فَلَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ الْآجُرُّ وَكَانَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: لَا بَأْسَ بِهِ فِي دِيَارِنَا لِرَخَاوَةِ الْأَرْضِ وَكَانَ يُجَوِّزُ اسْتِعْمَالَ رُفُوفِ الْخَشَبِ وَاِتِّخَاذِ التَّابُوتِ لِلْمَيِّتِ حَتَّى قَالُوا: لَوْ اتَّخَذُوا تَابُوتًا مِنْ حَدِيدٍ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا فِي هَذِهِ الدِّيَارِ (قَالَ) وَيُسَجِّي قَبْرَ الْمَيِّتِ بِثَوْبٍ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ اللَّحْدِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا سُجِّيَ قَبْرُهَا بِثَوْبٍ وَغُشِّيَ عَلَى جِنَازَتِهَا وَلِأَنَّ مَبْنَى حَالِ الْمَرْأَةِ عَلَى السَّتْرِ كَمَا فِي حَالِ حَيَاتِهَا وَلَا يُسَجَّى قَبْرُ الرَّجُلِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ رَأَى قَبْرَ رَجُلٍ سُجِّيَ بِثَوْبٍ فَنَحَّى الثَّوْبَ وَقَالَ: لَا تُشْبِهُوهُ بِالنِّسَاءِ وَلِأَنَّ مَبْنَى حَالِ الرَّجُلِ عَلَى الِانْكِشَافِ وَالظُّهُورِ إلَّا إذَا كَانَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ لِدَفْعِ مَطَرٍ أَوْ ثَلْجٍ أَوْ حَرٍّ عَلَى الدَّاخِلِينَ فِي الْقَبْرِ فَحِينَئِذٍ لَا بَأْسَ بِهِ (قَالَ) وَيُسَنَّمُ الْقَبْرُ وَلَا يُرَبَّعُ لِحَدِيثِ «النَّخَعِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي مِنْ رَأَى قَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا مُسَنَّمَةٌ عَلَيْهَا فَلْقٌ مِنْ مَدَرٍ بِيضٍ» وَلِأَنَّ التَّرْبِيعَ فِي الْأَبْنِيَةِ لِلْإِحْكَامِ وَيُخْتَارُ لِلْقُبُورِ مَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ إحْكَامِ الْأَبْنِيَةِ وَعَلَى قَوْلِ الرَّوَافِضِ السُّنَّةُ التَّرْبِيعُ فِي الْقُبُورِ وَلَا تُجَصَّصُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ تَجْصِيصِ الْقُبُورِ وَتَرْبِيعِهَا» وَلِأَنَّ التَّجْصِيصَ فِي الْأَبْنِيَةِ إمَّا لِلزِّينَةِ أَوْ لِإِحْكَامِ الْبِنَاءِ (قَالَ) وَإِمَامُ الْحَيِّ أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَحَاصِلُ الْمَذْهَبِ عِنْدَنَا أَنَّ السُّلْطَانَ إذَا حَضَرَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ لِأَنَّ إقَامَةَ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ إلَيْهِ فَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ عَلَى مَنْ كَانَ يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَيْنِ وَلِأَنَّ فِي الْمُتَقَدِّمِ عَلَى السُّلْطَانِ ازْدِرَاءٌ بِهِ وَالْمَأْمُورُ فِي حَقِّهِ التَّوْقِيرُ.
وَلَمَّا مَاتَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا حَضَرَ جِنَازَتِهِ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ فَقَدَّمَهُ الْحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَقَالَ: لَوْلَا أَنَّهَا سُنَّةٌ مَا قَدَّمْتُك وَكَذَلِكَ إنْ حَضَرَ الْقَاضِي فَهُوَ أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَإِمَامُ الْحَيِّ عِنْدَنَا لِأَنَّ الْمَيِّتَ كَانَ رَاضِيًا بِإِمَامَتِهِ فِي حَيَاتِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الْوَلِيُّ أَحَقُّ مِنْ إمَامِ الْحَيِّ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ إمَامُ الْحَيِّ فَالْأَوْلِيَاءُ.
وَفِي الْكِتَابِ قَالَ: الْأَبُ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَالِابْنُ أَحَقُّ مِنْ الْأَبِ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ الْأَبُ لِأَنَّهُ جَدُّهُ وَفِي التَّقَدُّمِ عَلَيْهِ ازْدِرَاءٌ بِهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْأَبُ أَعَمُّ وِلَايَةً حَتَّى يَعُمَّ وِلَايَةَ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَهَذَا نَظِيرُ اخْتِلَافِهِمْ فِي وِلَايَةِ التَّزْوِيجِ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ هَذَا الْحَقُّ عَلَى تَرْتِيبِ الْعُصُوبَةِ كَوِلَايَةِ التَّزْوِيجِ وَابْنُ الْعَمِّ أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْهُ ابْنٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَاتَتْ امْرَأَةٌ لَهُ فَقَالَ لِأَوْلِيَائِهَا: كُنَّا أَحَقُّ بِهَا حِينَ كَانَتْ حَيَّةً فَأَمَّا إذْ مَاتَتْ فَأَنْتُمْ أَحَقُّ بِهَا وَلِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ تَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ وَالْقَرَابَةَ لَا تَنْقَطِعُ بِهِ (قَالَ): وَالصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ خَمْسُ تَكْبِيرَاتٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْآثَارُ قَدْ اخْتَلَفَتْ فِي فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُوِيَ الْخَمْسُ وَالسَّبْعُ وَالتِّسْعُ وَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ آخِرَ فِعْلِهِ كَانَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ فَكَانَ هَذَا نَاسِخًا لِمَا قَبْلَهُ وَأَنَّ «عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَمَعَ الصَّحَابَةَ حِينَ اخْتَلَفُوا فِي عَدَدِ التَّكْبِيرَاتِ وَقَالَ لَهُمْ: إنَّكُمْ اخْتَلَفْتُمْ فَمَنْ يَأْتِي بَعْدَكُمْ أَشَدُّ اخْتِلَافًا فَانْظُرُوا آخِرَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جِنَازَةٍ فَخُذُوا بِذَلِكَ فَوَجَدُوهُ صَلَّى عَلَى امْرَأَةٍ كَبَّرَ عَلَيْهَا أَرْبَعًا فَاتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ» وَلِأَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ قَائِمَةٌ مَقَامَ رَكْعَةٍ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَلَيْسَ فِي الْمَكْتُوبَاتِ زِيَادَةٌ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ إلَّا أَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى لِلِافْتِتَاحِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَعْدَهَا أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ كُلُّ تَكْبِيرَةٍ قَائِمَةٌ مَقَامَ رَكْعَةٍ وَأَهْلُ الزَّيْغِ يَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُكَبِّرُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ وَعَلَى سَائِرِ النَّاسِ أَرْبَعًا وَهَذَا افْتِرَاءٌ مِنْهُمْ عَلَيْهِ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَبَّرَ عَلَى فَاطِمَةَ أَرْبَعًا وَرُوِيَ أَنَّهُ إنَّمَا صَلَّى عَلَى فَاطِمَةَ أَبُو بَكْرٍ وَكَبَّرَ عَلَيْهَا أَرْبَعًا وَعُمَرُ صَلَّى عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا ثُمَّ يُثْنِي عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ يُثْنِي عَقِيبَ الِافْتِتَاحِ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى تَعْقُبُهُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ عَلَى هَذَا وُضِعَتْ الْخُطَبُ وَاعْتُبِرَ هَذَا بِالتَّشَهُّدِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ يَعْقُبُهُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَسْتَغْفِرُ لِلْمَيِّتِ وَيَشْفَعُ لَهُ فِي الثَّالِثَةِ لِأَنَّ الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْقُبُهُ الدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ وَالْمَقْصُودُ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ الِاسْتِغْفَارُ لِلْمَيِّتِ وَالشَّفَاعَةُ لَهُ فَلِهَذَا يَأْتِي بِهِ وَيَذْكُرُ الدُّعَاءَ الْمَعْرُوفَ «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا» إنْ كَانَ يُحْسِنُهُ وَإِلَّا يَذْكُرُ مَا يَدْعُو بِهِ فِي التَّشَهُّدِ «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ إلَى آخِرِهِ» وَيُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ بَعْدَ الرَّابِعَةِ لِأَنَّهُ جَاءَ أَوَانُ التَّحَلُّلِ وَذَلِكَ بِالسَّلَامِ وَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ دُعَاءٌ سِوَى السَّلَامِ وَقَدْ اخْتَارَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مَا يُخْتَمُ بِهِ سَائِرُ الصَّلَوَاتِ «اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا بِرَحْمَتِك عَذَابَ الْقَبْرِ وَعَذَابَ النَّارِ».
فَإِنْ كَبَّرَ الْإِمَامُ خَمْسًا لَمْ يُتَابِعْهُ الْمُقْتَدِي فِي الْخَامِسَةِ إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَقُولُ: هَذَا مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَيُتَابِعُهُ الْمُقْتَدِي كَمَا فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ.
(وَلَنَا) أَنَّ مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعِ تَكْبِيرَاتٍ ثَبَتَ انْتِسَاخُهُ بِمَا رَوَيْنَا وَلَا مُتَابَعَةَ فِي الْمَنْسُوخِ لِأَنَّهُ خَطَأٌ ثُمَّ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُسَلِّمُ حِينَ رَأَى إمَامَهُ يَشْتَغِلُ بِمَا هُوَ خَطَأٌ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَنْتَظِرُ سَلَامَ الْإِمَامِ حَتَّى يُسَلِّمَ مَعَهُ (قَالَ): وَلَا يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: تُفْتَرَضُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِيهَا وَمَوْضِعُهَا عَقِيبَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ» وَهَذِهِ صَلَاةٌ بِدَلِيلِ اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فِيهَا وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ» «وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيهَا بِالْفَاتِحَةِ وَجَهَرَ ثُمَّ قَالَ عَمْدًا: فَعَلْت لِيُعْلَمَ أَنَّهَا سُنَّةٌ».
(وَلَنَا) حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: لَمْ يُوَقَّتْ لَنَا فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ دُعَاءٌ وَلَا قِرَاءَةٌ كَبِّرْ مَا كَبَّرَ الْإِمَامُ وَاخْتَرْ مِنْ الدُّعَاءِ أَطْيَبَهُ وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا: لَيْسَ فِيهَا قِرَاءَةُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَتَأْوِيلُ حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ قَرَأَ عَلَى سَبِيلِ الثَّنَاءِ لَا عَلَى وَجْهِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَلِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هِيَ دُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ لِمَيِّتِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا أَرْكَانُ الصَّلَاةِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالتَّسْمِيَةِ بِالصَّلَاةِ لِمَا بَيَّنَّا فِيمَا سَبَقَ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي اللُّغَةِ الدُّعَاءُ وَاشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فِيهَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا صَلَاةٌ حَقِيقَةٌ وَإِنَّ فِيهَا قِرَاءَةً كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَلَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ فِيهَا سَوَاءٌ وَكَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ بَلْخِي اخْتَارُوا رَفْعَ الْيَدِ عِنْدَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ فِيهَا وَكَانَ نَصِيرُ بْنُ يَحْيَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَرْفَعُ تَارَةً وَلَا يَرْفَعُ تَارَةً فَمَنْ اخْتَارَ الرَّفْعَ قَالَ: هَذِهِ تَكْبِيرَاتٌ يُؤْتَى بِهَا فِي قِيَامٍ مَسْنُونٍ فَتُرْفَعُ الْأَيْدِي عِنْدَهَا كَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَتَكْبِيرُ الْقُنُوتِ وَالْفِقْهُ فِيمَا بَيَّنَّا مِنْ الْحَاجَةِ إلَى إعْلَامِ مَنْ خَلْفَهُ مِنْ أَصَمَّ أَوْ أَعْمًى وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «: لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ» وَلَيْسَ فِيهَا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَا تُرْفَعُ الْيَدُ فِيهَا إلَّا عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ وَالْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ قَائِمَةٌ مَقَامَ رَكْعَةٍ فَكَمَا لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ عِنْدَ كُلِّ رَكْعَةٍ فَكَذَلِكَ هَهُنَا (قَالَ): وَإِذَا اُجْتُمِعَتْ الْجَنَائِزُ فَإِنْ شَاءُوا جَعَلُوهَا صَفًّا وَإِنْ شَاءُوا وَضَعُوا وَاحِدًا خَلْفَ وَاحِدٍ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: تُوضَعُ شَبَهَ الدَّرَجِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الثَّانِي عِنْدَ صَدْرِ الْأَوَّلِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ إنْ وُضِعَ هَكَذَا فَحَسَنٌ أَيْضًا لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ تَكُونَ الْجَنَائِزُ أَمَامَ الْإِمَامِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ كَيْفَ وَضَعُوا فَكَانَ الِاخْتِيَارُ إلَيْهِمْ (قَالَ): وَإِنْ كَانَتْ رِجَالًا وَنِسَاءً يُوضَعُ الرِّجَالُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَالنِّسَاءُ خَلْفَ الْإِمَامِ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ، وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ عَلَى عَكْسِ هَذَا لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِالْجَمَاعَةِ صَفُّ النِّسَاءِ خَلْفَ صَفِّ الرِّجَالِ إلَى الْقِبْلَةِ فَكَذَلِكَ فِي وَضْعِ الْجَنَائِزِ وَلَكِنَّا نَقُولُ فِي الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ الرِّجَالُ أَقْرَبُ إلَى الْإِمَامِ مِنْ النِّسَاءِ فَكَذَلِكَ فِي وَضْعِ الْجَنَائِز وَإِنْ كَانَتْ جِنَازَةَ غُلَامٍ وَامْرَأَةٍ وُضِعَ الْغُلَامُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَهُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ ابْنَةَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا امْرَأَةَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَابْنَهَا زَيْدَ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَاتَا مَعًا فَوَضَعَ ابْنُ عُمَرَ جِنَازَتَهُمَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَصَلَّى عَلَيْهِمَا وَلِأَنَّ الرَّجُلَ إنَّمَا يُقَدَّمُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ لِلْفَضِيلَةِ بِالذُّكُورَةِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْغُلَامِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «: لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُوا الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّهُ تُوضَعُ جِنَازَةُ الرَّجُلِ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَخَلْفَهُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ جِنَازَةُ الْغُلَامِ وَخَلْفَهُ جِنَازَةُ الْخُنْثَى إنْ كَانَ وَخَلْفَهُ جِنَازَةُ الْمَرْأَةِ (قَالَ): وَإِذَا وَقَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى دَفْنِ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ بِهِ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَقَالَ: احْفِرُوا وَأُوسِعُوا وَاجْعَلُوا فِي كُلِّ قَبْرٍ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً وَقُدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ» فَقُلْنَا: يُوضَعُ الرَّجُلُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ ثُمَّ خَلْفَهُ الْغُلَامُ ثُمَّ خَلْفَهُ الْجَنِينُ ثُمَّ خَلْفَهُ الْمَرْأَةُ وَيُجْعَلُ بَيْنَ كُلِّ مَيِّتَيْنِ حَاجِزٌ مِنْ التُّرَابِ لِيَصِيرَ فِي حُكْمِ قَبْرَيْنِ (قَالَ): وَأَحْسَنُ مَوَاقِفِ الْإِمَامِ مِنْ الْمَيِّتِ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ بِحِذَاءِ الصَّدْرِ وَإِنْ وَقَفَ فِي غَيْرِهِ أَجْزَأَهُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: يَقِفُ مِنْ الرَّجُلِ بِحِذَاءِ الصَّدْرِ وَمِنْ الْمَرْأَةِ بِحِذَاءِ وَسْطِهَا لِمَا رُوِيَ «أَنَّ أُمَّ بُرَيْدَةَ صَلَّى عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَقَفَ بِحِذَاءِ وَسْطِهَا».
(وَلَنَا) أَنَّ أَشْرَفَ الْأَعْضَاءِ فِي الْبَدَنِ الصَّدْرُ فَإِنَّهُ مَوْضِعُ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ وَهُوَ أَبْعَدُ مِنْ الْأَذَى، وَالْوُقُوفُ عِنْدَهُ أَوْلَى كَمَا فِي حَقِّ الرِّجَالِ ثُمَّ الصَّدْرُ مَوْضِعُ نُورِ الْإِيمَانِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ} الْآيَةُ وَإِنَّمَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لِإِيمَانِهِ فَيَخْتَارُ الْوُقُوفَ حِذَاءَ الصَّدْرِ لِهَذَا أَوْ الصَّدْرُ هُوَ الْوَسْطُ فِي الْحَقِيقَةِ فَإِنَّهُ فَوْقَهُ رَأْسٌ وَيَدَانِ وَتَحْتَهُ بَطْنٌ وَرِجْلَانِ (قَالَ) وَيَتَيَمَّمُ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ إذَا خَافَ فَوْتَهَا فِي الْمِصْرِ عِنْدَنَا وَكَذَلِكَ لَوْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ ثُمَّ أَحْدَثَ تَيَمَّمَ وَبَنَى وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِيمَا سَبَقَ فَإِنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ جِيءَ بِجِنَازَةٍ أُخْرَى فَإِنْ وَجَدَ بَيْنَهُمَا مِنْ الْوَقْتِ مَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَعَلَيْهِ إعَادَةُ التَّيَمُّمِ لِلصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ تَمَكَّنَ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ بَعْدَ التَّيَمُّمِ لِلْأَوَّلِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فُرْجَةً مِنْ الْوَقْتِ ذَلِكَ الْقَدْرُ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِتَيَمُّمِهِ عَلَى الْجِنَازَةِ الثَّانِيَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ الْعُذْرَ قَائِمٌ وَهُوَ خَوْفُ الْفَوْتِ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُعِيدُ التَّيَمُّمَ عَلَى كُلِّ حَالٍ ذَكَرَهُ فِي نَوَادِرِ أَبِي سُلَيْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّهُ تَجَدَّدَتْ ضَرُورَةٌ أُخْرَى فَعَلَيْهِ تَجْدِيدُ التَّيَمُّمِ (قَالَ) وَإِذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ تَكْبِيرَةً أَوْ تَكْبِيرَتَيْنِ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُ حَتَّى يُكَبِّرَ الْإِمَامُ فَيُكَبِّرُ مَعَهُ فَإِذَا سَلَّمَ قَضَى مَا بَقِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تُرْفَعَ الْجِنَازَةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: يُكَبِّرُ حِينَ يَحْضُرُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «: اتَّبِعْ إمَامَك حِينَ تَحْضُرُ فِي أَيِّ حَالٍ أَدْرَكْتَهُ» وَقَاسَ هَذَا بِسَائِرِ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّ الْمَسْبُوقَ يُكَبِّرُ لِلِافْتِتَاحِ فِيهَا حِينَ يَنْتَهِي إلَى الْإِمَامِ فَهَذَا مِثْلُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ وَاقِفًا خَلْفَ الْإِمَامِ فَتَأَخَّرَ تَكْبِيرُهُ عَنْ تَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ لَمْ يَنْتَظِرْ أَنْ يُكَبِّرَ الْإِمَامُ الثَّانِيَةَ بِالِاتِّفَاقِ فَهَذَا مِثْلُهُ وَمَذْهَبُنَا مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ قَائِمَةٌ مَقَامَ رَكْعَةٍ فَلَوْ لَمْ يَنْتَظِرْ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ حِينَ جَاءَ كَانَ قَاضِيًا مَا فَاتَهُ قَبْلَ أَدَاءِ مَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ وَذَلِكَ مَنْسُوخٌ إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ مَعْنَيَانِ: مَعْنَى الِافْتِتَاحِ وَالْقِيَامِ مَقَامَ رَكْعَةٍ وَمَعْنَى الِافْتِتَاحِ مُرَجَّحٌ فِيهَا بِدَلِيلِ تَخْصِيصِهَا بِرَفْعِ الْيَدِ عِنْدَهَا.
وَلَوْ جَاءَ بَعْدَ مَا كَبَّرَ الْإِمَامُ الرَّابِعَةَ لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ وَقَدْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ فِي قَوْلِهِمَا وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُكَبِّرُ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَضَى ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ خَلْفَ الْإِمَامِ وَلَمْ يُكَبِّرْ حَتَّى كَبَّرَ الْإِمَامُ الرَّابِعَةَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ لَهُمَا أَنَّ مَنْ كَانَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَهُوَ مُدْرِكٌ لِتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ فَيَأْتِي بِهَا حِينَ حَضَرَتْهُ النِّيَّةُ بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُدْرِكٍ لِلتَّكْبِيرَةِ الْأُولَى وَهِيَ قَائِمَةٌ مَقَامَ رَكْعَةٍ فَلَا يَشْتَغِلُ بِقَضَائِهَا قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ كَسَائِرِ التَّكْبِيرَاتِ (قَالَ): وَإِذَا صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ ثُمَّ حَضَرَ قَوْمٌ لَمْ يُصَلُّوا عَلَيْهَا ثَانِيَةً جَمَاعَةً وَلَا وُحْدَانًا عِنْدَنَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ صَلَّوْا عَلَيْهَا أَجَانِبَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْأَوْلِيَاءِ ثُمَّ حَضَرَ الْوَلِيُّ فَحِينَئِذٍ لَهُ أَنْ يُعِيدَهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: تُعَادُ الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَبْرٍ جَدِيدٍ فَسَأَلَ عَنْهُ فَقِيلَ: قَبْرُ فُلَانَةِ فَقَالَ: هَلَّا آذَنْتُمُونِي بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا فَقِيلَ: إنَّهَا دُفِنَتْ لَيْلًا فَخَشِينَا عَلَيْك هَوَامَّ الْأَرْضِ فَقَامَ وَصَلَّى عَلَى قَبْرِهَا» وَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ فَوْجًا بَعْدَ فَوْجٍ.
(وَلَنَا) مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُمَا فَاتَتْهُمَا الصَّلَاةُ عَلَى جِنَازَةٍ فَلَمَّا حَضَرَا مَا زَادَا عَلَى الِاسْتِغْفَارِ لَهُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ عَلَى جِنَازَةِ عُمَرَ فَلَمَّا حَضَرَ قَالَ: إنْ سَبَقْتُمُونِي بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَلَا تَسْبِقُونِي بِالدُّعَاءِ لَهُ.
وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ حَقَّ الْمَيِّتِ قَدْ تَأَدَّى بِفِعْلِ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ فَلَوْ فَعَلَهُ الْفَرِيقُ الثَّانِي كَانَ تَنَفُّلًا بِالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَلَوْ جَازَ هَذَا لَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يُرْزَقُ زِيَارَتُهُ الْآنَ لِأَنَّهُ فِي قَبْرِهِ كَمَا وُضِعَ فَإِنَّ لُحُومَ الْأَنْبِيَاءِ حَرَامٌ عَلَى الْأَرْضِ بِهِ وَرَدَ الْأَثَرُ وَلَمْ يَشْتَغِلْ أَحَدٌ بِهَذَا فَدَلَّ أَنَّهُ لَا تُعَادُ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ هُوَ الَّذِي حَضَرَ فَإِنَّ الْحَقَّ لَهُ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ وِلَايَةُ إسْقَاطِ حَقِّهِ وَهُوَ تَأْوِيلُ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ الْحَقَّ كَانَ لَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} وَهَكَذَا تَأْوِيلُ فِعْلِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ مَشْغُولًا بِتَسْوِيَةِ الْأُمُورِ وَتَسْكِينِ الْفِتْنَةِ فَكَانُوا يُصَلُّونَ عَلَيْهِ قَبْلَ حُضُورِهِ وَكَانَ الْحَقُّ لَهُ لِأَنَّهُ هُوَ الْخَلِيفَةُ فَلَمَّا فَرَغَ صَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ لَمْ يُصَلِّ أَحَدٌ بَعْدَهُ عَلَيْهِ (وَعَلَى) هَذَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى لَا يُصَلَّى عَلَى مَيِّتٍ غَائِبٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يُصَلَّى عَلَيْهِ فَإِنَّ «النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ وَهُوَ غَائِبٌ» وَلَكِنَّا نَقُولُ: طُوِيَتْ الْأَرْضُ وَكَانَ هُوَ أَوْلَى الْأَوْلِيَاءِ وَلَا يُوجَدُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ ثُمَّ إنْ كَانَ الْمَيِّتُ مِنْ جَانِبِ الْمَشْرِقِ فَإِنْ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ كَانَ الْمَيِّتُ خَلْفَهُ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَإِنْ اسْتَقْبَلَ الْمَيِّتَ كَانَ مُصَلِّيًا لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ (قَالَ): وَإِذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ عَلَى جِنَازَةٍ ثُمَّ أُتِيَ بِجِنَازَةٍ أُخْرَى فَوُضِعَتْ مَعَهَا قَالَ: يَفْرُغُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْأُولَى ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ عَلَى الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْأُولَى فَيُتِمُّهَا وَكَذَلِكَ إنْ كَبَّرَ الثَّانِيَةَ يَنْوِي الصَّلَاةَ عَلَيْهِمَا أَوْ لَمْ يَحْضُرْهُ نِيَّةٌ فِيهَا فَهُوَ فِي الْأُولَى وَإِنْ كَبَّرَ يَنْوِي الصَّلَاةَ عَلَى الثَّانِيَةِ كَانَ قَاطِعًا لِلْأُولَى شَارِعًا فِي الثَّانِيَةِ فَيُصَلِّي عَلَى الثَّانِيَةِ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ عَلَى الْأُولَى بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ فِي الظُّهْرِ فَكَبَّرَ يَنْوِي الْعَصْرَ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَاهُمَا لِأَنَّهُ غَيْرُ رَافِضٍ لِلْأُولَى فَلَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي الثَّانِيَةِ مَعَ بَقَائِهِ فِي الْأُولَى (قَالَ): وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ عِنْدَ غُرُوبِهَا أَوْ نِصْفَ النَّهَارِ لِحَدِيثِ «عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَنْ نُقْبِرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا» وَالْمُرَادُ الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ فَلَا بَأْسَ بِالدَّفْنِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَإِنْ صَلَّوْهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ إعَادَتُهَا لِأَنَّ حَقَّ الْمَيِّتِ تَأَدَّى بِمَا أَدَّوْا فَإِنَّ الْمُؤَدَّى فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ صَلَاةٌ وَإِنْ كَانَ فِيهَا نُقْصَانٌ.
أَلَا تَرَى أَنَّ التَّطَوُّعَ إنَّمَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ (قَالَ): وَإِذَا أَرَادُوا أَنْ يُصَلُّوا عَلَى جِنَازَةٍ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بَدَءُوا بِالْمَغْرِبِ لِأَنَّهَا أَقْوَى فَإِنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَالصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَالْبُدَاءَةُ بِالْأَقْوَى أَوْلَى لِأَنَّ تَأْخِيرَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مَكْرُوهٌ وَتَأْخِيرَ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ (قَالَ): وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا تُكْرَهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَمَّا مَاتَ أَمَرَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِإِدْخَالِ جِنَازَتِهِ الْمَسْجِدَ حَتَّى صَلَّى عَلَيْهَا أَزْوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ عَنْهُنَّ ثُمَّ قَالَتْ لِبَعْضِ مَنْ حَوْلَهَا: هَلْ عَابَ النَّاسُ عَلَيْنَا بِمَا فَعَلْنَا؟ قَالَ: نَعَمْ فَقَالَتْ: مَا أَسْرَعَ مَا نَسُوا، مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جِنَازَةِ سَهْلِ بْنِ أَبِي الْبَيْضَاءِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» وَلِأَنَّهَا دُعَاءٌ أَوْ صَلَاةٌ وَالْمَسْجِدُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ.
(وَلَنَا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «: مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا أَجْرَ لَهُ» وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا دَلِيلُنَا لِأَنَّ النَّاسَ فِي زَمَانِهَا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَقَدْ عَابُوا عَلَيْهَا فَدَلَّ أَنَّهُ كَانَ مَعْرُوفًا فِيمَا بَيْنَهُمْ كَرَاهَةُ هَذَا.
وَتَأْوِيلُ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ مُعْتَكِفًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَخْرُجَ وَأَمَرَ بِالْجِنَازَةِ فَوُضِعَتْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَعِنْدَنَا إذَا كَانَتْ الْجِنَازَةُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لَمْ يُكْرَهْ أَنْ يُصَلِّيَ النَّاسُ عَلَيْهَا فِي الْمَسْجِدِ إنَّمَا الْكَرَاهَةُ فِي إدْخَالِ الْجِنَازَةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ» فَإِذَا كَانَ الصَّبِيُّ يُنَحَّى عَنْ الْمَسْجِدِ فَالْمَيِّتُ أَوْلَى (قَالَ): وَإِذَا صَلَّوْا عَلَى جِنَازَةٍ وَالْإِمَامُ غَيْرُ طَاهِرٍ فَعَلَيْهِمْ إعَادَةُ الصَّلَاةِ لِأَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ فَاسِدَةٌ لِعَدَمِ الطَّهَارَةِ فَتَفْسُدُ صَلَاةُ الْقَوْمِ بِفَسَادِ صَلَاتِهِ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ طَاهِرًا وَالْقَوْمُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ إعَادَتُهَا لِأَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ قَدْ صَحَّتْ وَحَقَّ الْمَيِّتِ بِهِ تَأَدَّى فَالْجَمَاعَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ (قَالَ) وَإِذَا أَخْطَئُوا بِالرَّأْسِ فَوَضَعُوهَا فِي مَوْضِعِ الرِّجْلَيْنِ وَصَلَّوْا عَلَيْهَا جَازَتْ الصَّلَاةُ لِأَنَّ مَا هُوَ شَرْطٌ وَهُوَ كَوْنُ الْمَيِّتِ أَمَامَ الْإِمَامِ فَقَدْ وُجِدَ إنَّمَا التَّغَيُّرُ فِي صِفَةِ الْوَضْعِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّهُمْ إنْ تَعَمَّدُوا ذَلِكَ فَقَدْ أَسَاءُوا بِتَغْيِيرِ الْوَضْعِ عَمَّا تَوَارَثَهُ النَّاسُ (قَالَ) وَإِذَا أَخْطَئُوا الْقِبْلَةَ جَازَتْ صَلَاتُهُمْ يَعْنِي إذَا صَلَّوْا بِالتَّحَرِّي وَإِنْ تَعَمَّدُوا خِلَافَهَا لَمْ تَجُزْ عَلَى قِيَاسِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّهَا فِي وُجُوبِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ (قَالَ) وَإِنْ دُفِنَ قَبْلَ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا صُلِّيَ فِي الْقَبْرِ عَلَيْهَا إنَّمَا لَا يُخْرَجُ مِنْ الْقَبْرِ لِأَنَّهُ قَدْ سُلِّمَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَخَرَجَ مِنْ أَيْدِيهِمْ.
جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «: الْقَبْرُ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ» وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يُؤَدُّوا حَقَّهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى الْقَبْرِ تَتَأَتَّى فَقَدْ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِهَذَا يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ تَفَرَّقَ لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ لَا عَلَى أَعْضَائِهِ وَفِي الْأَمَالِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: يُصَلَّى عَلَيْهِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُصَلُّونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَقْدِيرٍ لَازِمٍ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَبِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ وَبِاخْتِلَافِ حَالِ الْمَيِّتِ فِي السِّمَنِ وَالْهُزَالِ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ أَكْبَرُ الرَّأْيِ وَاَلَّذِي رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِ سِنِينَ» مَعْنَاهُ دَعَا لَهُمْ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} وَقِيلَ: إنَّهُمْ كَمَا دُفِنُوا لَمْ تَتَفَرَّقْ أَعْضَاؤُهُمْ وَهَكَذَا وُجِدُوا حِينَ أَرَادَ مُعَاوِيَةُ أَنْ يُحَوِّلَهُمْ فَتَرَكَهُمْ (قَالَ) وَيُصَفُّ النِّسَاءَ خَلْفَ الرِّجَالِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «خَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا» وَإِنْ وَقَفَتْ امْرَأَةٌ بِجَنْبِ رَجُلٍ لَمْ تُفْسِدْ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الْفَسَادَ بِسَبَبِ الْمُحَاذَاةِ ثَبَتَ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ وَإِنَّمَا وَرَدَ النَّصُّ بِهِ فِي صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ وَهَذِهِ لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ وَلِهَذَا لَا وُضُوءَ عَلَى مَنْ قَهْقَهَ فِيهَا بِخِلَافِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ (قَالَ): وَإِذَا صَلَّوْا قُعُودًا أَوْ رُكْبَانًا فِي الْقِيَاسِ يُجْزِيهِمْ لِأَنَّهَا دُعَاءٌ فِي الْحَقِيقَةِ وَلِأَنَّ رُكْنَ الْقِيَامِ مُعْتَبَرٌ بِسَائِرِ الْأَرْكَانِ كَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ عَلَيْهِمْ الْإِعَادَةُ لِأَنَّ فِيهَا شَيْئَيْنِ التَّكْبِيرَ وَالْقِيَامَ فَكَمَا أَنَّ تَرْكَ التَّكْبِيرِ يَمْنَعُ الِاعْتِدَادَ فَكَذَلِكَ تَرْكُ الْقِيَامِ وَالْقِيَامُ هَهُنَا كَوَضْعِ الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فَكَمَا لَا تَتَأَدَّى السَّجْدَةُ إلَّا بِهِمَا كَذَا هُنَا (قَالَ): وَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ فِي سَفَرٍ وَمَعَهُ نِسَاءً لَيْسَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ فَإِنْ كَانَ فِيهِنَّ امْرَأَتُهُ غَسَّلَتْهُ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوْصَى إلَى امْرَأَتِهِ أَسْمَاءَ أَنْ تُغَسِّلَهُ وَهَكَذَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: لَوْ اسْتَقْبَلْنَا مِنْ أَمْرِنَا مَا اسْتَدْبَرْنَا مَا غَسَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا نِسَاءَهُ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ بَيْنَهُمَا فِي حُكْمِ الْقَائِمِ مَا لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ فَإِنَّ الْمَوْتَ مُحَوِّلٌ لِلْمِلْكِ لَا مُبْطِلٌ وَمِلْكُ النِّكَاحِ لَا يَحْتَمِلُ التَّحَوُّلَ إلَى الْوَرَثَةِ فَبَقِيَ مَوْقُوفًا عَلَى الزَّوَالِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَمَا بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَلَوْ ارْتَفَعَ النِّكَاحُ بِالْمَوْتِ فَإِنَّمَا ارْتَفَعَ إلَى خَلْفٍ وَهِيَ الْعِدَّةُ وَهَذِهِ الْعِدَّةُ حَقُّ النِّكَاحِ فَتَقُومُ مَقَامَ حَقِيقَتِهِ فِي إبْقَاءِ حِلِّ الْمَسِّ وَالنَّظَرِ قَالَ: وَإِنْ كَانَ فِيهِنَّ أُمُّ وَلَدِهِ لَمْ تُغَسِّلْهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْآخِرِ وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّهَا مُعْتَدَّتُهُ مِنْ فِرَاشٍ صَحِيحٍ فَهِيَ كَالْمَنْكُوحَةِ، وَجْهُ قَوْلِهِ الْآخِرِ إنَّهَا عَتَقَتْ بِالْمَوْتِ فَصَارَتْ أَجْنَبِيَّةً مِنْهُ وَوُجُوبُ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا بِطَرِيقِ الِاسْتِبْرَاءِ وَلِهَذَا لَا يَخْتَلِفُ بِالْحَيَاةِ وَالْوَفَاةِ فَلَا يَثْبُتُ بِاعْتِبَارِهِ حِلُّ الْمَسِّ وَالنَّظَرِ كَالْعِدَّةِ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ.
(قَالَ): وَإِنْ كَانَ فِيهِنَّ امْرَأَةٌ قَدْ بَانَتْ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ لَمْ تُغَسِّلْهُ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْبَيْنُونَةُ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِ طَلَاقٍ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ ارْتَفَعَ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَالْعِدَّةُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهَا بِطَرِيقِ الِاسْتِبْرَاءِ، وَلِهَذَا تُقَدَّرُ بِالْأَقْرَاءِ وَكَذَلِكَ لَوْ ارْتَدَّتْ قَبْلَ مَوْتِهِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ تُغَسِّلْهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ الرِّدَّةَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا تَرْفَعُ النِّكَاحَ فَقَدْ ارْتَفَعَ بِالْمَوْتِ بِخِلَافِ الرِّدَّةِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَلَكِنَّا نَقُولُ: النِّكَاحُ كَالْقَائِمِ عَلَى إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ فَارْتَفَعَ بِالرِّدَّةِ وَعَلَى الطَّرِيقِ الْآخَرِ فَقَدْ بَقِيَ حِلُّ الْمَسِّ وَالنَّظَرِ وَكَمَا تَرْفَعُ الرِّدَّةُ مُطْلَقَ الْحِلِّ تَرْفَعُ مَا بَقِيَ مِنْهُ وَهُوَ حِلُّ الْمَسِّ وَالنَّظَرِ وَعَلَى هَذَا لَوْ طَاوَعَتْ ابْنَ زَوْجِهَا بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ وَطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَوَجَبَ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ لَمْ تُغَسِّلْهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ مَاتَ الزَّوْجُ وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ مِنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا لَمْ تُغَسِّلْهُ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ حِلُّ الْغُسْلِ عِنْد الْمَوْتِ لَهَا فَلَا يَثْبُتُ بَعْدَهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ أُخْتُهَا تَعْتَدُّ مِنْهُ فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَكَذَلِكَ الْمَجُوسِيَّةُ إذَا أَسْلَمَتْ بَعْدَ مَوْتِ زَوْجِهَا الْمُسْلِمِ لَمْ تُغَسِّلْهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَإِنْ كَانَ فِيهِنَّ أَمَتُهُ لَمْ تُغَسِّلهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهَا يَبْقَى حُكْمًا لِحَاجَتِهِ إلَى مَنْ يُغَسِّلُهُ.
(وَلَنَا) أَنَّهَا قَدْ انْتَقَلَتْ إلَى الْوَارِثِ وَصَارَتْ كَسَائِرِ إمَائِهِ وَهَذَا لِأَنَّ حِلَّ الْمَسِّ يَعْتَمِدُ مِلْكَ الْمُتْعَةِ لَا مِلْكَ الْمَالِيَّةِ وَمِلْكَ الْمُتْعَةِ فِي الْأَمَةِ تَبَعٌ فَلَا يُمْكِنُ إبْقَاؤُهَا لَهُ بَعْدَ تَحَوُّلِ مَا هُوَ الْأَصْلُ وَهُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ إلَى الْوَارِثِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِيهِنَّ أَحَدٌ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ لِأَنَّ الْمَحْرَمَ فِي حُكْمِ النَّظَرِ إلَى الْعَوْرَةِ كَالْأَجْنَبِيَّةِ فَكَذَلِكَ ذَوَاتُ مَحَارِمِهِ وَلَكِنْ يُيَمِّمَ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ غُسْلُهُ لِانْعِدَامِ مَنْ يُغَسِّلُهُ فَصَارَ كَتَعَذُّرِ غُسْلِهِ لِانْعِدَامِ مَا يُغَسَّلُ بِهِ فَإِنْ كَانَ مَنْ يُيَمِّمُهُ مَحْرَمًا يَمَّمَهُ بِغَيْرِ خِرَقِهِ لِأَنَّهُ حَلَّ لَهَا مَسُّ هَذَيْنِ الْعُضْوَيْنِ فِي حَيَاتِهِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَإِنْ كَانَتْ أَجْنَبِيَّةً يَمَّمَتْهُ بِخِرْقَةٍ تَلُفُّهَا عَلَى كَفِّهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَمَسَّهُ فِي حَيَاتِهِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ وَفَاتِهِ ثُمَّ يُصَلِّينَ عَلَيْهِ وَقَامَ الْإِمَامُ مِنْهُنَّ وَسْطَهُنَّ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي جَمَاعَةِ النِّسَاءِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ كَافِرٌ عَلَّمْنَهُ غُسْلَ الْمَيِّتِ لِيُغَسِّلَهُ لِأَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ أَخَفُّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ فِي الدِّينِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْلِمَ يُغَسِّلُ قَرَابَتَهُ مِنْ الْكُفَّارِ وَلَوْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ بَيْنَ الرِّجَالِ وَفِيهِمْ زَوْجُهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُغَسِّلَهَا عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: لَهُ ذَلِكَ لِحَدِيثِ «عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ تَقُولُ: وَارْأَسَاهُ فَقَالَ: وَأَنَا وَارْأَسَاهُ لَا عَلَيْك إنَّك لَوْ مِتَّ غَسَّلْتُك وَكَفَّنْتُك وَصَلَّيْت عَلَيْك» وَمَا جَازَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجُوزُ لِأُمَّتِهِ إلَّا مَا قَامَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَإِنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ غَسَّلَ فَاطِمَةَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَلِأَنَّ النِّكَاحَ انْتَهَى بَيْنَهُمَا بِالْمَوْتِ فَيُفِيدُ الْبَاقِي مِنْهُمَا حِلَّ الْغُسْلِ كَالرَّجُلِ إذَا مَاتَ وَهَذَا لِأَنَّ الْمُنْتَهَى مُتَقَرِّرٌ فِي حَقِّ أَحْكَامِهِ نَحْوَ الْإِرْثِ وَغَيْرِهِ وَلِأَنَّ الْمِلْكَ جُعِلَ كَالْقَائِمِ لِحَاجَةِ الْمَيِّتِ مِنْهُمَا إلَى الْغُسْلِ وَمِلْكُ الْحِلِّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا.
(وَلَنَا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ تَمُوتُ بَيْنَ رِجَالٍ فَقَالَ: تُيَمَّمُ الصَّعِيدَ» وَلَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ زَوْجُهَا أَوْ لَا يَكُونُ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ النِّكَاحَ بِمَوْتِهَا ارْتَفَعَ بِجَمِيعِ عَلَائِقِهِ فَلَا يَبْقَى حِلُّ الْمَسِّ وَالنَّظَرِ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّهَا بِالْمَوْتِ صَارَتْ مُحَرَّمَةً أَلْبَتَّةَ وَالْحُرْمَةُ تُنَافِي النِّكَاحَ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً وَلِهَذَا جَازَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الزَّوْجُ ثُمَّ الزَّوْجُ بِالنِّكَاحِ مَالِكٌ وَالْمَرْأَةُ مَمْلُوكَةٌ فَبَعْدَ مَوْتِهِ يُمْكِنُ إبْقَاءُ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ لَهُ حُكْمًا لِبَقَاءِ مَحَلِّ الْمِلْكِ فَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِهَا فَلَا يُمْكِنُ إبْقَاءُ الْمِلْكِ مَعَ فَوَاتِ الْمَحَلِّ وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: غَسَّلْتُك أَيْ: قُمْت بِأَسْبَابِ غُسْلِك كَمَا يُقَالُ بَنَى فُلَانٌ دَارًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ بَنَى وَحَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ غَسَّلَهَا فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ فَاطِمَةَ غَسَّلَتْهَا أُمُّ أَيْمَنَ وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ غَسَّلَهَا فَقَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى قَالَ لَهُ عَلِيٌّ: أَمَّا عَلِمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَاطِمَةُ زَوْجَتُك فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَادِّعَاؤُهُ الْخُصُوصِيَّةَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَعْرُوفًا بَيْنَهُمْ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يُغَسِّلُ زَوْجَتَهُ وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «: كُلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ يَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ إلَّا سَبَبِي وَنَسَبِي» فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى الْخُصُوصِيَّةِ فِي حَقِّهِ وَفِي حَقِّ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَيْضًا لِأَنَّ نِكَاحَهُ كَانَ مِنْ أَسْبَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا لَمْ تُغَسَّلْ يَمَّمَهَا فَإِنْ كَانَ مِنْ يُيَمِّمُهَا مَحْرَمًا لَهَا يَمَّمَهَا بِغَيْرِ خِرْقَةٍ وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا يُيَمِّمُهَا بِخِرْقَةِ يَلُفُّهَا عَلَى كَفِّهِ وَيُعْرِضُ وَجْهَهُ عَنْ ذِرَاعَيْهَا دُونَ وَجْهِهَا لِأَنَّ فِي حَالَةِ حَيَاتِهَا مَا كَانَ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى ذِرَاعَيْهَا فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ امْرَأَةٌ كَافِرَةٌ عَلَّمُوهَا غُسْلَ الْمَيِّتِ لِتُغَسِّلَهَا ثُمَّ يُصَلِّي عَلَيْهَا الرِّجَالُ لِمَا بَيَّنَّا (قَالَ): وَتُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ وَالرَّجُلُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ هَكَذَا قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَفَنُ الْمَرْأَةِ خَمْسَةُ أَثْوَابٍ وَكَفَنُ الرَّجُلِ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ وَلَا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلِأَنَّ حَالَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدَ الْمَوْتِ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الْحَيَاةِ وَالرَّجُلُ فِي حَيَاتِهِ يَخْرُجُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ عَادَةً قَمِيصٍ وَسَرَاوِيلَ وَعِمَامَةٍ وَالْمَرْأَةُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ دِرْعٍ وَخِمَارٍ وَإِزَارٍ وَمِلَاءَةٍ وَنِقَابٍ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلِأَنَّ مَبْنَى حَالِهَا عَلَى السَّتْرِ فَيُزَادُ كَفَنُهَا عَلَى كَفَنِ الرَّجُلِ وَتَفْسِيرُ الْأَثْوَابِ الْخَمْسَةِ دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَإِزَارٌ وَلِفَافَةٌ وَخِرْقَةٌ تُرْبَطُ فَوْقَ الْأَكْفَانِ عِنْدَ الصَّدْرِ فَوْقَ الثَّدْيَيْنِ وَالْبَطْنِ حَتَّى لَا يَنْتَشِرَ عَلَيْهَا الْكَفَنُ إذَا حُمِلَتْ عَلَى السَّرِيرِ وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: تُرْبَطُ الْخِرْقَةُ عَلَى فَخِذَيْهَا لِئَلَّا تَضْطَرِبَ إذَا حُمِلَتْ عَلَى السَّرِيرِ وَيُوضَعُ الْحَنُوطُ مِنْهَا مَوْضِعَهُ مِنْ الرِّجَالِ وَلَا يُسْدَلُ شَعْرُهَا خَلْفَ ظَهْرِهَا وَلَكِنْ يُسْدَلُ مِنْ بَيْنِ ثَدْيَيْهَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّ سَدْلَ الشَّعْرِ خَلْفَ ظَهْرِهَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ كَانَ لِمَعْنَى الزِّينَةِ وَقَدْ انْقَطَعَ ذَلِكَ بِالْوَفَاةِ ثُمَّ يُسْدَلُ الْخِمَارُ عَلَيْهَا كَهَيْئَةِ الْمُقَنَّعَةِ فَوْقَ الدِّرْعِ وَتَحْتَ الْإِزَارِ وَإِنْ كُفِّنَتْ الْمَرْأَةُ فِي ثَوْبَيْنِ وَخِمَارٍ وَلَمْ تُكَفَّنْ فِي دِرْعٍ جَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى السِّتْرِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ يَحْصُلُ بِثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ حَتَّى يَجُوزَ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ فِيهَا وَتَخْرُجَ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ (قَالَ): وَالْخَلَقُ إذَا غُسِلَ وَالْجَدِيدُ فِيهِ سَوَاءٌ لِحَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: اغْسِلُوا ثَوْبَيْ هَذَيْنِ وَكَفِّنُونِي فِيهِمَا فَإِنَّهُمَا لِلْمَهْلِ وَالصَّدِيدِ وَإِنَّ الْحَيَّ أَحْوَجُ مِنْ الْمَيِّتِ إلَى الْجَدِيدِ (قَالَ): وَالْبُرُودُ وَالْبَيَاضُ كُلُّ ذَلِكَ حَسَنٌ لِحَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إنَّ أَحَبَّ الثِّيَابِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الْبَيَاضُ فَلْيَلْبَسْهَا أَحْيَاؤُكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ» وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «: حَسِّنُوا أَكْفَانَ الْمَوْتَى فَإِنَّهُمْ يَتَزَاوَرُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَيَتَفَاخَرُونَ بِحُسْنِ أَكْفَانِهِمْ» وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا يَجُوزُ لِكُلِّ جِنْسٍ أَنْ يَلْبَسَهُ فِي حَيَاتِهِ يَجُوزُ أَنْ يُكَفَّنَ فِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَالسُّنَّةُ فِي كَفَنِ الرَّجُلِ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ كَمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي بُرْدٍ» وَحُلَّةٍ اسْمٌ لِلزَّوْجِ مِنْ الثِّيَابِ وَالْبُرْدُ اسْم لِلْفَرْدِ مِنْ الثِّيَابِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا «: كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ»
(قَالَ): وَأَدْنَى مَا يُكَفَّنُ فِيهِ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ ثَوْبَانِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ فِيهِمَا وَيُصَلِّيَ فِيهِمَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ فَكَذَلِكَ يُكَفَّنُ فِيهِمَا (قَالَ): فَإِنْ كَفَّنُوهُ فِي وَاحِدٍ فَقَدْ أَسَاءُوا لِأَنَّ فِي حَالَةِ حَيَاتِهِ تَجُوزُ صَلَاتُهُ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ مَعَ الْكَرَاهَةِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ يُكْرَهُ أَنْ يُكَفَّنَ فِيهِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ بِأَنْ كَانَ لَا يُوجَدُ غَيْرُهُ لِأَنَّ «مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَمَّا اُسْتُشْهِدَ كُفِّنَ فِي نَمِرَةَ فَكَانَ إذَا غُطِّيَ بِهَا رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ وَإِذَا غُطِّيَ بِهِ رِجْلَاهُ بَدَا رَأْسُهُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُغَطَّى رَأْسُهُ وَيُجْعَلُ عَلَى رِجْلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْإِذْخِرِ» وَكَذَلِكَ حَمْزَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَا اُسْتُشْهِدَ كُفِّنَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَمْ يُوجَدْ لَهُ غَيْرُهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ عِنْدَ الضَّرُورَةِ يَجُوزُ هَذَا (قَالَ): وَالْغُلَامُ الْمُرَاهِقُ كَالرَّجُلِ يُكَفَّنُ فِيمَا يُكَفَّنُ فِيهِ الرَّجُلُ فَأَمَّا الطِّفْلُ الَّذِي لَمْ يَتَكَلَّمْ فَإِنْ كُفِّنَ فِي خِرْقَتَيْنِ إزَارٍ وَرِدَاءٍ فَحَسَنٌ وَإِنْ كُفِّنَ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ جَازَ لِأَنَّ فِي حَالِ حَيَاتِهِ كَانَ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى ثَوْبٍ وَاحِدٍ فِي حَقِّهِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ (قَالَ): وَتُغَسِّلُ الْمَرْأَةُ الصَّبِيَّ الَّذِي لَمْ يَتَكَلَّمْ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِفَرْجِهِ حُكْمُ الْعَوْرَةِ حَتَّى لَا يَجِبْ سَتْرُهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَيَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ (قَالَ) قَوْمٌ صَلَّوْا عَلَى مَيِّتٍ قَبْلَ أَنْ يُغَسَّلَ قَالَ: تُعَادُ الصَّلَاةُ بَعْدَ الْغُسْلِ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ فِي حَقِّهِ مُعْتَبَرَةٌ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ كَمَا هِيَ مُعْتَبَرَةٌ فِي حَقِّ مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ وَلَوْ صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ عَلَى جِنَازَةٍ أَعَادَهَا بَعْدَ الطَّهَارَةِ فَكَذَا هَذَا وَكَذَلِكَ لَوْ غَسَلُوهُ وَبَقِيَ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَائِهِ أَوْ قَدْرُ لُمْعَةٍ فَإِنْ كَانَ قَدْ لُفَّ فِي كَفَنِهِ وَقَدْ بَقِيَ عُضْوٌ لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ يُخْرَجُ مِنْ الْكَفَنِ فَيُغَسَّلُ ذَلِكَ الْعُضْوُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي شَيْئًا يَسِيرًا كَالْأُصْبُعِ وَنَحْوِهِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ الْأُصْبُعَ فِي حُكْمِ الْعُضْوِ بِدَلِيلِ اغْتِسَالِ الْحَيِّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَا يُخْرَجُ مِنْ الْكَفَنِ لِأَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ بِعَدَمِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى ذَلِكَ الْقَدْرِ فَلَعَلَّهُ أَسْرَعَ إلَيْهِ الْجَفَافُ لِقِلَّتِهِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِي نَوَادِرِ أَبِي سُلَيْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
(قَالَ) فَإِنْ كَانُوا قَدْ دَفَنُوهُ لَمْ يُنْبَشْ عَنْهُ الْقَبْرُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ أَيْدِيهِمْ فَسَقَطَ فَرْضُ غُسْلِهِ عَنْهُمْ ثُمَّ يُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْأُولَى لَمْ تَصِحَّ فَكَأَنَّهُمْ دَفَنُوهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ (قَالَ): مَيِّتٌ وُضِعَ فِي لَحْدِهِ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ أَوْ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ أَوْ جُعِلَ رَأْسُهُ فِي مَوْضِعِ رِجْلَيْهِ قَالَ: لَا يُنْبَشُ عَنْهُ قَبْرُهُ لِأَنَّ وَضْعَهُ إلَى الْقِبْلَةِ سُنَّةٌ وَقَدْ تَمَّ خُرُوجُهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ بَعْدَ مَا أَهَالُوا عَلَيْهِ التُّرَابَ فَلَا يَجُوزُ نَبْشُهُ فَإِنْ وُضِعَ اللَّبِنُ وَلَمْ يُهَلْ التُّرَابُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُنْزَعُ اللَّبِنُ وَيُوضَعُ كَمَا يَنْبَغِي وَيُغَسَّلُ إنْ لَمْ يَكُنْ غُسِّلَ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ خُرُوجُهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ بَعْدُ فَنَزْعُ اللَّبِنِ بَعْدَ الْوَضْعِ مُتَيَسِّرٌ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى حَفْرٍ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ (قَالَ): وَإِنْ سَقَطَ شَيْءٌ مِنْ مَتَاعِ الْقَوْمِ فِي الْقَبْرِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَحْفِرُوا التُّرَابَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِيُخْرِجُوا مَتَاعَهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْبَشَ الْمَيِّتُ لِأَنَّ لِمَالِ الْمُسْلِمِ حُرْمَةً وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ» وَفِي إبْقَاءِ الْمَتَاعِ فِي الْقَبْرِ إضَاعَةُ الْمَالِ وَقَدْ صَحَّ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَقَطَ خَاتَمُهُ فِي قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا زَالَ بِالصَّحَابَةِ حَتَّى رُفِعَ اللَّبِنُ وَأَخَذَ خَاتَمَهُ وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ كَانَ يَفْتَخِرُ بِذَلِكَ وَيَقُولُ: أَنَا آخِرُكُمْ عَهْدًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ): وَيُكْرَهُ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى اللَّحْدِ رُفُوفُ الْخَشَبِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْأَبْنِيَةِ لِلزِّينَةِ أَوْ لِإِحْكَامِ الْبِنَاءِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ فِي دِيَارِنَا لِرَخَاوَةِ الْأَرْضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.